ظاهرة التعلق عند بنات المراهقات: مراحل التعلق، عقدة النقص، "اللطف السلبي" وأمثلة من الواقع والأفلام
في عالم اليوم، يواجه الكثير من المراهقات ظاهرة التعلق العاطفي التي تؤثر على حياتهن بشكل كبير، خصوصًا في مرحلة المراهقة. هذه المرحلة التي تمتاز بالتغيرات النفسية والجسدية تجعل المراهقة أكثر عرضة للتعلق الشديد بمن حولها، مما يؤثر على توازن علاقاتها وقدرتها على بناء هويتها الشخصية المستقلة. ظاهرة التعلق العاطفي لدى بنات المراهقات قد تبدأ في شكل انبهار، لتتطور تدريجيًا إلى خضوع و اللطف السلبي الذي يؤدي في النهاية إلى شعور بالفراغ العاطفي وفقدان للذات.
سنتناول في هذا المقال مراحل التعلق العاطفي، مع تسليط الضوء على عقدة النقص التي تعزز هذا التعلق، بالإضافة إلى اللطف السلبي الذي قد يتحول إلى نمط سلوكي ضار. سنعزز الفهم من خلال أمثلة مستمدة من الواقع و الأفلام.
1. مرحلة الانبهار
تبدأ مرحلة التعلق العاطفي في مرحلة الانبهار، وهي المرحلة الأولى التي يشعر فيها الشخص باندفاع قوي نحو الآخر. في هذه المرحلة، تكون المراهقة في حالة من التعجب والدهشة من الشخص الذي بدأت في التعلق به، سواء كان هذا الشخص صديقًا، حبيبًا أو حتى شخصية مهمة في حياتها.
سلوكيات المراهقة في مرحلة الانبهار:
- التركيز المفرط على الشخص الآخر: يصبح هذا الشخص محط كل الاهتمام والتفكير.
- تغيير السلوكيات الشخصية: تبدأ المراهقة في تعديل سلوكها أو اهتماماتها لتتناسب مع ما يريده الشخص الآخر.
- الشعور بالانتماء: تبدأ المراهقة في الشعور أن هذا الشخص هو مصدر الأمان العاطفي والوجود.
عقدة النقص في هذه المرحلة:
يشعر العديد من المراهقات في هذه المرحلة بعقدة نقص داخلية، حيث لا يشعرن بالأمان أو بالحب إلا من خلال التعلق بشخص آخر. تبدأ الفتاة في التفكير أنها لا تملك قيمة خاصة بها، وبالتالي لا تستحق الحب إلا من خلال الاعتماد على الآخرين.
مثال من الواقع:
على سبيل المثال، قد تكون هناك فتاة في سن المراهقة تنبهر بشاب جديد في مدرستها، وتبدأ في التفكير فيه طوال الوقت. تشعر أنه هو الشخص الذي يمكن أن يجعل حياتها أفضل، وتبدأ في التغيير بشكل كبير لتواكب اهتماماته وتوجهاته.
مثال من الأفلام:
في فيلم "The Fault in Our Stars" (خطأ في نجومنا)، نجد أن شخصية هايزل تنبهر بـ "أوغستس"، وتبدأ في التقرب منه بشكل كبير، حيث يصبح هو المصدر الوحيد للأمل والسعادة في حياتها، ويبدأ التعلق به بشكل قوي.
2. مرحلة الخضوع والتبعية
بعد الانبهار، تأتي مرحلة الخضوع العاطفي، حيث تبدأ المراهقة في التنازل عن جزء من هويتها الشخصية من أجل إرضاء الشخص الذي تتعلق به. في هذه المرحلة، تكون الفتاة مستعدة لتغيير سلوكياتها وتفكيرها لتناسب الشخص الآخر.
سلوكيات المراهقة في مرحلة الخضوع:
- الانصياع لأفكار وآراء الآخر: تبدأ الفتاة في تبني أفكار الشخص الآخر وتغيير آرائها لتتناسب مع ما يعتقده.
- إهمال الذات: تقوم الفتاة بتقليل الاهتمام بنفسها وباحتياجاتها الخاصة، مفضلة إرضاء الشخص الآخر على حساب راحتها.
- الاعتماد العاطفي: تصبح الفتاة معتمدة عاطفيًا على الشخص الآخر بشكل مفرط، حيث تشعر أن سعادتَها مرتبطة بسعادته.
عقدة النقص في هذه المرحلة:
تزداد عقدة النقص لدى الفتاة في هذه المرحلة، حيث تبدأ في تصديق فكرة أنها لا تستطيع الحياة بدون الشخص الآخر. تفقد الثقة في نفسها، وتعتقد أن قيمتها مرتبطة بما يقدمه لها الشخص الآخر من حب واهتمام.
مثال من الواقع:
مثال على ذلك هو فتاة تتعلق بشاب في مدرستها، وتبدأ في إهمال دراستها وأصدقائها، فقط من أجل قضاء المزيد من الوقت معه. تصبح غير قادرة على اتخاذ قراراتها المستقلة أو التعبير عن نفسها.
مثال من الأفلام:
في فيلم "Twilight" (الشفق)، نجد أن بيلا تتعلق بشكل كبير بـ "إدوارد"، وتبدأ في إهمال حياتها الطبيعية لكي تكون بالقرب منه. تصدق بيلا أنها لا تستطيع أن تكون سعيدة أو مكتملة دون إدوارد، مما يجعلها مستعدة للتضحية بكل شيء من أجل إرضائه.
3. مرحلة "اللطف السلبي"
في هذه المرحلة، يبدأ التعلق العاطفي في التحول إلى اللطف السلبي، حيث تصبح الفتاة لطيفة مفرطة لدرجة أنها تضع احتياجات الشخص الآخر فوق احتياجاتها الخاصة. تكون مستعدة لتحمل الإهانة والإساءة في سبيل الحفاظ على العلاقة، معتقدة أن اللطف والتضحية سيؤديان إلى تقدير الشخص الآخر لها.
سلوكيات المراهقة في مرحلة "اللطف السلبي":
- تقديم التضحيات: تستمر الفتاة في التضحية بسعادتها وكرامتها من أجل إرضاء الشخص الآخر.
- فقدان الهوية الشخصية: يصبح التعلق هو ما يحدد هوية الفتاة، حيث تبدأ في العيش من خلال الشخص الآخر بدلاً من نفسها.
- القبول بالتعامل السيء: تقبل الفتاة الإساءة أو الإهمال من الشخص الآخر، معتقدة أنها لا تستحق أفضل من ذلك.
عقدة النقص في هذه المرحلة:
تزداد عقدة النقص بشكل كبير، حيث تصبح الفتاة مقتنعة بأنها لا تستحق الحب أو الاهتمام إلا إذا كانت مستعدة لتقديم التضحيات المفرطة أو الإرضاء المستمر.
مثال من الواقع:
على سبيل المثال، قد تجد الفتاة نفسها في علاقة عاطفية سامة، حيث يقوم الطرف الآخر بـ إهانتها أو إهمالها. ومع ذلك، تستمر الفتاة في إظهار اللطف والتضحية، معتقدة أن ذلك سيجعل الشاب يعود إلى تقديرها.
مثال من الأفلام:
في فيلم "Notting Hill"، نجد شخصية ويليام يتعامل مع آنا بلطف، لكنها تصبح لطيفة بشكل سلبي وتحاول إرضاءه بشكل مفرط حتى عندما لا تكون العلاقة متوازنة.
4. مرحلة "صندوق الاحتياط"
عندما يلاحظ الشخص الآخر أن الفتاة أصبحت لطيفة سلبية وتخضع له بشكل مفرط، قد يبدأ في إهمالها أو معاملتها كـ "خيار احتياطي". في هذه المرحلة، يصبح الشخص الآخر على يقين من أن الفتاة ستكون دائمًا موجودة، بغض النظر عن كيفية معاملته لها.
سلوكيات المراهقة في مرحلة "صندوق الاحتياط":
- إحساس بالرفض: تبدأ الفتاة في الشعور بأنها أصبحت في الخلفية، وأن الشخص الآخر يعطيها اهتمامًا أقل.
- استمرار العطاء رغم الإهمال: رغم الإهمال الواضح من الشخص الآخر، تظل الفتاة تقدم له دعمًا عاطفيًا واهتمامًا بشكل غير متوازن.
- العزلة: تصبح الفتاة أكثر انعزالًا عن أصدقائها وعائلتها، حيث تجد نفسها مجبرة على البقاء في علاقة غير صحية.
عقدة النقص في هذه المرحلة:
تزداد عقدة النقص وتصبح الفتاة غير قادرة على التفكير بشكل مستقل. تظل متمسكة بالعلاقة لأنها تشعر بأنها لا تستحق شيئًا أفضل.
مثال من الواقع:
على سبيل المثال، قد تتعلق الفتاة بشاب لا يظهر اهتمامًا حقيقيًا بها، لكنها تستمر في إرضائه أو تقديم التنازلات معتقدة أنه في النهاية سيتغير.
مثال من الأفلام:
في فيلم "500 Days of Summer"، نجد شخصية "توم" الذي كان في علاقة مع "صامويل". صامويل يبدأ في إهمال "توم"، ويضعها في "صندوق الاحتياط" بعد أن قرر أن العلاقة بينهما لم تعد ملائمة، مما يعكس كيف تصبح الفتاة معتمدة عاطفيًا على شخص آخر إلى درجة أنها تصبح خيارًا احتياطيًا في العلاقة.
الخاتمة
ظاهرة التعلق العاطفي عند بنات المراهقات ليست مجرد حالة عابرة، بل هي مجموعة من المراحل المعقدة التي تؤثر على بناء الهوية الشخصية والعلاقات الصحية. من الانبهار إلى الخضوع واللطف السلبي، يمكن أن تؤدي هذه المراحل إلى فقدان الثقة بالنفس والعزلة الاجتماعية. من خلال فهم هذه المراحل بشكل عميق، يمكن أن نتعلم كيفية تجنب عقدة النقص والبحث عن علاقات صحية مبنية على الاحترام المتبادل والتقدير.
اذ كان لديك سؤال تفضل اطرحه هنا